مستذكراً تجربة إسحق رابين في المنطق طويل الأمد في حل
النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، يعلق م.ج. روزنبرغ على دعوة مساعد وزير الدفاع،
إبان إدارة بوش السابقة - دوف زاخيم، إلى القادة الإسرائيليين للاستفادة بشكل
كامل من الفرص الحالية لإعادة بدء المفاوضات مع الفلسطينيين لأجل المصلحة بعيدة
المدى للإسرائيليين والفلسطينيين.
صرح دوف زاخيم، مساعد وزير الدفاع السابق، لصحيفة هآارتز
هذا الأسبوع أن حكومة شارون ترتكب خطأ فادحاً بعدم السعي بشكل حثيث وراء
اتفاقية مع الفلسطينيين. وزاخيم، الذي خدم في عدة إدارات جمهورية، هو
يهودي محافظ له علاقات حميمة مع إسرائيل.
وقد صرح لهآارتز بأن إسرائيل "في السنوات الثلاث الماضية
خسرت فرصة استراتيجية في تحقيق تقدم مع الفلسطينيين. التوجه الصحيح هو
القول: انظروا، لدينا بيت أبيض يساندنا، ورئيس يهتم بأمن إسرائيل نثق به.
ماذا نستطيع أن نفعل الآن، مستخدمين ذلك كمنطلق قوة، لحل القضية الفلسطينية؟"
عاد زاخيم لتوه من زيارة لإسرائيل وقد آلمته رؤية مظاهر
الانحطاط المتنوعة. وهو يلقي باللائمة على المستوطنات. "إنها تأخذ
الأموال من التعليم والمعونة الاجتماعية وفرص العمل والبنية التحتية وتصبها في
الضفة الغربية. إسرائيل تعاني كثيراً بسبب المستوطنات"، يقول زاخيم.
لسوء الحظ فإن إحساس زاخيم بضرورة الإسراع في التحرك على
الجبهة الدبلوماسية لا يشاركه فيه الجميع عالمياً. فبعض المسؤولين
الإسرائيليين والعناصر في الإعلام يرون الهدوء الحالي على مستوى العمليات
الإرهابية ليس كفرصة لإيجاد وضع أكثر استقراراً وإنما عذراً لعدم القيام بأي
عمل.
إلا أن الأكثر حكمة يعرفون أفضل من ذلك. ففي تقرير له
في صحيفة يديعوت أحرونوت، يثني آليكس فيشمان على جيش الدفاع الإسرائيلي
"لتخفيفه حجم العمليات الإرهابية داخل الخط الأخضر بمعدل
80%"، ولكنه يكتب كذلك "الانتفاضة لم تنته بعد.
وما يعنيه هذا الإنجاز في الحقيقة هو أن الجيش والخدمات الاستخبارية قد أعطيا
الكادر السياسي مزيداً من الوقت. والآن عليهما أن يفعلا شيئاً بهذا الوقت
الإضافي."
وبكلمات أخرى، لقد حان الوقت لمزيد من الإسراع في السعي
وراء إنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. إن الاعتماد على أكاليل النصر
ليس خياراً.
هذا أمر فهمه الراحل إسحق رابين جيداً. فقد بدأ بعد
انتهاء الانتفاضة الأولى مباشرة العملية التي انتهت باتفاقية أوسلو. كان
بإمكانه ببساطة أن يعلن النصر ويأمل بالأفضل. ولكنه فهم أن الوقت ليس
بالضرورة في صالح إسرائيل.
لم ير رابين بقاء إسرائيل مهدداً من قبل جيرانها المباشرين.
فاتفاقية السلام مع مصر كانت قائمة. والحدود مع الأردن كانت هادئة.
واتفاقية سلام مع سوريا كانت في متناول اليد على الأرجح. ولم يكن
للفلسطينيين قوة عسكرية ذات قيمة.
لذلك، كان اهتمام رابين الأساسي يتعلق بقابلية إسرائيل
للتعرض لهجمة نووية أو بيولوجية أو كيماوية من إيران أو العراق أو الجماعات
الإسلامية المسلحة المتحالفة معهما أو مع أحدهما. لم تكن الدائرة
المباشرة المحيطة بإسرائيل هي التي تقلق رابين. بل كانت الدائرة الثانوية
واللاعبون غير الرسميون في المنطقة وخارجها.
كان تحقيق السلام مع الفلسطينيين جزءاً من استراتيجية رابين
لتحييد هذه التهديدات. فعندما يحقق الإسرائيليون والفلسطينيون السلام،
يفقد المتطرفون حجة الحرب المقدسة مع إسرائيل. "بالتأكيد، يمكنهم أن
يأملوا أن يكونوا أكثر فلسطينية من الفلسطينيين أنفسهم"، ولكن الضغوط من طرف
العرب الآخرين، ومن الفلسطينيين أنفسهم يعمل كرادع للجهاد خاصة مع تعايش دولة
فلسطين ودولة إسرائيل ضمن نفس المنطقة بشكل عام.
بوجود دائرة سلام – تضم فلسطين – تحيط بإسرائيل يصبح جيش
إسرائيل حراً للتركيز على أفضل السبل لحماية نفسه من هجمات بأسلحة الدمار
الشامل من خارج الدائرة. وبدلاً من أن تكون مرتبطة في غزة ونابلس تدافع
عن نفسها ضد إرهابيين مراهقين، تستطيع إسرائيل ردع التهديد التي يهدد وجودها.
لقد تغير الكثير منذ طور رابين ذلك المفهوم، ولكن لم يتغير
الكثير نحو الأفضل. فإيران أكثر عسكرية من أي وقت مضى، وأكثر كرهاً
لإسرائيل مما مضى، وأكثر قرباً وتصميماً، على ما يبدو، من تطوير أسلحة نووية.
والعراق، المتفجرة أبداً، تبدو أقل احتمالية من أي وقت مضى للتخلي عن المشاعر
المضادة لإسرائيل مقارنة بالنظام السابق فيها. وقد يكون احتمال هجوم
بأسلحة الدمار الشامل غير محتمل اليوم، ولكن ماذا عن الغد، أما بالنسبة للاعبين
من غير الدول فما من شك أن تنظيم القاعدة يسعى للحصول على أسلحة نووية، تماما
كما ينتفي الشك عمن سيكون الهدف الأول أو الثاني لذلك السلاح.
لقد فهم رابين الوضع. لم يكن عليه أن يحب منظمة
التحرير الفلسطينية لكي يتفاوض معها. الحب أو عدمه لم يكن الموضوع لديه
ببساطة عندما كان بقاء إسرائيل في الميزان واليوم، استبعدت إسرائيل
التعامل مع عرفات ولكنها كذلك تقاوم التفاوض مع الفلسطينيين الذي ثبت أنهم
يفضلون السلام مع إسرائيل.
لهذا يمكن اعتبار هذه الأوقات مناسبة للولايات المتحدة
وإسرائيل لمباشرة الدعوة إلى انتخابات فلسطينية. ويقترح زياد عسلي، وهو
طبيب فلسطيني أميركي ورئيس لمجموعة العمل الأميركية حول فلسطين ومركزها واشنطن،
في مقال نشرته الفايننشال تايمز، يقترح إجراء انتخابات ديمقراطية يرافقها
استفتاء على حل الدولتين اعتماداً على "خريطة الطريق" التي وضعها بوش.
"استفتاء كهذا" يقول عسلي "يحدد الأفق السياسي للفلسطينيين. ولن يستطيع
معارضو نموذج الدولتين بعد الآن إيقاف تقدم العملية إذا حصلت على دعم جماهيري
في استفتاء". وبهذا يكون لإسرائيل شريك منتخب ديمقراطياً للتفاوض معه.
بوجود كل هذا في الميزان، حان الوقت لإسرائيل لتعيد التواصل
مع الفلسطينيين مرة أخرى. ألق نظرة فقط على الأخبار. فالخطر
المتربص بإسرائيل على بعد قليل أمامها، يأتي من التطرف الديني المسلح بأسلحة
الدمار الشامل. والوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين – اتفاق يضعهم في
النضال ضد المتطرفين بصورة كاملة – هو أحد أفضل الأساليب لتحييد بعض أكثر الناس
في العالم خطورة. وتجاهل الفلسطينيين والاحتفال بانتصارات وهمية ليس عديم
المنطق فحسب وإنما هو هدية إلى تنظيم القاعدة. رابين استوعب ذلك قبل عقد
من الزمان. وهو صحيح اليوم أكثر من أي وقت مضى.