، 12
(مايو) 2004
في مناخ صور التعذيب المقززة في
العراق، تسللت أحداث مقززة هي الأخرى. فقد قضت محكمة الاستئناف في مدينة بنغازي
الليبية، على خمس ممرضات بلغاريات وفلسطيني، بالإعدام رمياً بالرصاص، ومعهم
طبيب بلغاري، كانت اتهمتهم محكمة ليبية (ملغاة!) بأنهم «تسببوا في نقل جرثومة
الإيدز إلى 393
طفلاً ليبياً». وأضيف إلى التهمة اتهامهم بـ«العمل على زعزعة الأمن ونشر الفوضى
عن طريق نشر هذا الوباء بهدف إحداث اضطرا بات في البلاد». والأحكام الصادرة
مؤخراً في طرابلس من ثمار تلك التهم الموجهة في
1998.
والذين كانوا يشككون بصدقية
الاميركية بيتي محمودي صاحبة رواية «ليس من دون ابنتي» التي اخرجها برايان
غيلبرت فيلماً، قد يجدون ما يعزز تلك الصدقية في قصة الفتاتين الإيرانيتين
ياسمين وسارة بورهاشمي (6
و 51
عاماً). ففي 1948
رافقت محمودي زوجها الإيراني المقيم معها في الولايات المتحدة إلى إيران على
اعتبار انها زيارة عابرة للأهل. وما لبث الزوج، وقد وصلا، ان حول وطنه العزيز
سجناً لها ولابنتهما، خضعتا فيه إلى أشرس معايير الحياة القروسطية. هكذا جاءت
القصة - السيرة تسجيلاً لوقائع هروبهما من ذلك العالم السادي الملفّح بالسواد.
وقبل أيام قليلة، استقبل وزير
الخارجية البلجيكي ياسمين وسارة اللتين لجأتا إلى سفارة بلاده في طهران منذ
خمسة اشهر، طالبتين الانضمام إلى والدتهما في بلجيكا. بذا انضمت الصبية سارة
والطفلة ياسمين إلى أمهما في بلجيكا، بعدما كان والدهما المدعو شهاب سلامي قد
اقتادهما عنوة إلى إيران العام الماضي. وبحسب ما قالته ياسمين للصحافيين «كانت
هناك لحظات اعتقدت فيها أن هذا الوضع لن ينتهي وسنظل محبوستين هناك». حتى في
تركيا التي لا تقارن حالها بحالي ليبيا وإيران، أفادت صحيفة «جموريت»، ومعها
الجمعية التركية لحقوق الإنسان، أن سجينة عمرها 26
سنة أقدمت على إحراق نفسها احتجاجاً على ظروف الحياة في السجن. والسجينة سلمى
كوبات، مديرة تحرير مجلة «الشباب الثوري»، تتابع، في هذا، «تقليداً» سبقها إليه
رفاقها، وبعضهم إرهابيون، في مواجهة «تقاليد» السجون التركية الرهيبة.
ولئن ذكّرتنا قصة ياسمين وسارة
بعديد الزيجات المرتبة، «وشحن» فتيات مسلمات أوروبيات إلى باكستان أو اليمن أو
غيرهما، لتزويجهن هناك غصباً وقسراً، ذكّرتنا المحاكمات الليبية بما هو أدهى
وأبشع. ذاك أن خليطاً من «الأفكار» البيولوجية والقومية والتآمرية يرتسم في أفق
ليبيا على نحو يستدعي بعض التجارب النازية الشهيرة في عنصريتها. وما رد سلوك
كهذا إلى مصدر نازي إلا للقول أن هذه الأمور الرهيبة والفظيعة التي تجري في
«الشرق» ليست «شرقية» حصراً، ولا تندرج في أي «صراع حضارات» مزعوم. وقد دلنا
السلوك الهمجي الذي أقدم عليه الجنود الأميركان في سجن أبو غريب العراقي إلى
مدى الانحطاط الذي يمكن أن يبلغه الأفراد، كما الجماعات، حين تتوافر ظروف
معينة. فهنا وهناك يصل اللعب القاتل إلى حدود الحياة والموت، والجسم والأعضاء،
والغرائز السادية وتصريف الفانتازيات الجنسية المريضة. ولنهيئ أنفسنا، هنا
وهناك، للأسوأ ما دام دعاة «صراع الحضارات» هنا وهناك، ناشطين بهمة يحسدون
عليها إلى أن يصبح هذا الصراع الزائف حقيقياً لا سبيل إلى رده.
-
كاتب ومعلق في جريدة "الحياة".