وضعت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون حول نيته
تفكيك العديد من المستوطنات اليهودية في قطاع غزة كخطة لفك الارتباط، مقياساً
جديداً فيما يتعلق بالاستراتيجية والعمل السياسي.
ورغم ذلك، فإن كمّاً هائلاً من الطاقة السيكولوجية يتم
هدرها على المسائل الهامشية في خطة شارون، فهو لم ينجح حتى الآن بإزالة بؤرة
استيطانية واحدة، رغم إنه وعد بذلك رئيس الولايات المتحدة جورج بوش
والتزم بفعل ذلك في خريطة الطريق. وبدلاً من إخلاء البؤر الاستيطانية غير
الشرعية، ها هو شارون يقترح إخلاءاً رئيسياً من قطاع غزة.
إن فك الارتباط من طرف واحد، دون اتفاق، له العديد من
السلبيات. فمن المحتمل أن يستمر القتال مع الفلسطينيين رغم الانسحاب، وأن
يزداد الإرهاب لأن من بين الفلسطينيين من سيرى في انسحاب الجيش الإسرائيلي نصر
لهم، وأن البطالة والتدمير الذاتي الفلسطيني سوف يزدادان وسوف تسيطر حماس على
قطاع غزة. أما الأكثر شكاً فيقولون أن هذا على الأرجح هو تقييم شارون،
ليثبت إنه من خلال تدمير الذات الفلسطيني، سوف يكون الفلسطينيون مسؤولين عن
انهيار كل شيء. وسوف تكون النتيجة أن العديد من الإسرائيليين سوف يقولون:
لقد انسحبنا ولكنكم رغم ذلك مستمرون في الإرهاب، لذا سوف نرد بقوة أكبر ودون
رحمة أو هوادة.
رغم ذلك كله، يتوجب على حكومة إسرائيل أن تفعل كل ما هو
ممكن لضمان تحقيق خطة فك الارتباط، رغم سلبياتها. فقد وعد شارون بذلك
الجمهور الإسرائيلي وعليه أن يحقق وعده. ورغم أن هذه الخطة ليست مثالية،
يجب إعطاءها كل فرصة ممكنة، ويجب أن يكون الانسحاب بأكبر قدر ممكن، ودون حيل أو
خداع.
كان الاقتراح الأصلي هو الانسحاب من غوش قطيف، كلها أو
الغالبية العظمى منها. وهذا يضم مستوطنتين أصبحتا رمزيتين: كفار داروم،
التي أصبحت تعتبر كذلك، حتى من قبل اسحق رابين، إذ تم الإستيلاء عليها في حرب
الاستقلال، ونتزاريم، التي أطلق عليها شارون وضع ديان بيان فو أثناء الحرب
الفرنسية في الهند الصينية.
ليست هناك أية أهمية استراتيجية لترك المستعمرات الثلاث
شمالي قطاع غزة في أماكنها. ففي نهاية المطاف، سوف تقوم إسرائيل بإخلائها
أيضاً، ويجب ألا تصبح مزارع شبعا أخرى في قطاع غزة. الإصرار اليوم يجب أن
يكون على المعابر الحدودية، وعلى القطاع (المسمّى "فيلادلفي") على الحدود
المصرية حيث يتم تهريب السلاح والذخائر. فدروس اتفاقية اوسلو تعلمنا ضرورة
الإصرار على هذا الموضوع. إلا أنه من الضروري تأكيد وجود ممر آمن بين
قطاع غزة والضفة الغربية.
وحتى تنجح خطة فك الارتباط، يجب ألا تصبح خطة للانسحاب من
طرف واحد دون أي حوار مع الفلسطينيين. إذا أردنا تجنب كارثة فهناك حاجة
ماسة لحوار عملي إجرائي حول العديد من القضايا، توفير المياه والكهرباء
والمعدات الطبية، والمواد الغذائية والمتطلبات الأمنية والشرطية. ومن
يريد نجاح الخطة عليه كذلك تنسيق أعداد العمال الفلسطينيين الذين سيعملون في
إسرائيل، والأماكن التي سيعملون فيها. وإذا حالت إسرائيل دون حدوث هذا
الحوار فسوف يكون هناك مبرر لمشاركة قوة دولية فيما يحدث بقطاع غزة.
يجب أن يكون هناك حوار ليس فقط مع الفلسطينيين، وإنما مع
المستوطنين اليهود، الذين سيعانون من هزة صعبة ومعضلات كثيرة. ولإثبات
جدية تصريحاته على شارون أن يبدأ فوراً التعامل مع كيفية تعويض المستوطنين
الذين سوف يتم إخلاؤهم. لقد تم إعداد خطة مفصلة في السابق في هذا المجال
وفي سريّة مطلقة في وزارة المالية فيما يتعلق بمرتفعات الجولان، وقد بدأ رئيس
مجلس الأمن الوطني الجنرال يورا ايلاند بمراجعتها.
من المستحيل معرفة أي من الفلسطينيين ستكون له اليد العليا
في قطاع غزة. هناك احتمال بأن تتم إزاحة السلطة الفلسطينية جانباً وأن
تظهر حماس إلى السطح. وقد يكون من المستحسن ألا يرفض الجنرال أيلاند دون
تمحيص المقترح الذي سمعناه مؤخراً من قيادة حماس المحلية والمتعلق بإمكانية
توقيع هدنة لمدة عشر سنوات. هذا بديل يجب دراسته.