وهذا الدعم الشعبي الواسع ليس
مستغرباً. فمن الصعب عدم الترحيب بعرض يعد بوضع حد لاحتلال أكثر المناطق
اكتظاظاً بالسكان الفلسطينيين في المناطق. ولكن الحماس الإسرائيلي، أو
بالتحديد الانفراج البحت – حول انسحاب مستقبلي من غزة - يجب ألا يعمي أبصارنا
عن المخاطر الضمنية في خطة شارون، أو عن المسار البديل الذي يتوجب على إسرائيل
أن تتخذه، ألا وهو الانسحاب ضمن إطار اتفاق للوضع النهائي.
إن الخطورة الكبرى التي ينطوي
عليها اتخاذ خطوات من طرف واحد هي تقوية المتطرفين. فمن خلال اتخاذ خطوات
من طرف واحد يسقط شارون من الحساب هؤلاء الفلسطينيين المعتدلين الذين كان من
الممكن التفاوض معهم على انسحاب كهذا. كما إنه يثبت صحة ما قاله هؤلاء
المتطرفون الذين جادلوا بأنه لم يكن هناك مبرر للتفاوض مع إسرائيل طوال الوقت،
ليس لأن إسرائيل ليست على استعداد للتنازل، وإنما لأنها ستفعل ذلك في النهاية
ودون دفع أي ثمن.
وبعرضه الانسحاب من طرف واحد
فإن شارون بذلك يخاطر بإضاعة فرصة إعادة كسب أي شكل من أشكال الاعتراف، على أقل
تعديل، بالحدود التي تنوي إسرائيل الانسحاب إليها، تاركاً الفلسطينيين بدورهم
دون أي ضمان بأن تلك الحدود لن يعتدى عليها مرة أخرى. وهكذا، وبدلاً من
التصرف بشكل يؤدي إلى استقرار النزاع، ولسنا نقول إلى حله، فإن الانسحاب من طرف
واحد يؤدي إلى خطر استمراره وإطالته بل وحتى ازدياد حدته.
ومما يزيد في غرابة الأمر
مشاهدة كيف تكافئ أعمال شارون وتصرفاته المتطرفين، وتعاقب المعتدلين.
تماماً كما رأينا في عملية تبادل الأسرى الشهر الماضي، عندما سلم شارون لحزب
الله ما كان يجب أن يسلمه لمحمود عباس، المعروف بأبي مازن، عندما كان رئيس
الوزراء الفلسطيني. وها هو شارون يقترح الآن أن يسلم لحماس من يجب أن
يسلمهم لأحمد قريع، المعروف بأبي علاء.
هذا أمر سيئ للإسرائيليين.
وهو أمر يدمر الفلسطينيين. وفي سياق الصراع الدولي ضد الإرهاب، من الصعب
أن يشار إلى تصرفات شارون هذه بالمفيدة.
البديل للانسحاب من طرف واحد
واضح: الانسحاب ضمن إطار اتفاقية الوضع النهائي الدائم.
وشروط اتفاقية كهذه ليست سراً
على أحد. فقد وضع الرئيس جورج بوش رؤيته لاتفاقية كهذه في خطاب ألقاه قبل
سنة ونصف تقريباً. كما وضعت اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والأمم
المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا) خارطة طريق تهدف إلى إرشاد الأطراف إلى
اتفاقية كهذه. ومؤخراً، أتمت مجموعة من الفلسطينيين والإسرائيليين صياغة
وثيقة جنيف، والتي يمكنها أن تشكل نموذجاً لاتفاقية كهذه. وهناك صيغة
مختصرة تمت صياغتها أيضاً من قبل فلسطينيين وإسرائيليين، هي اتفاقية أيالون–
نسيبة، تضع خطوطاً إرشادية عامة للسلام.
الوصول إلى الاتفاق، بمعنى
آخر، يمكن، والشريك موجود بشكل مؤكد. ومن المؤكد أيضاً، كما أظهرت مبادرة
جنيف بشكل لا يدعو للشك، أن هناك قيادة معتدلة لها أهميتها على الطرف
الفلسطيني. وإلى متى ستبقى هذه القيادة أسيرة قرار إسرائيل بإهمالها أو
بتقوية قاعدتها. هناك أمر واحد مؤكد، فبسحب البساط من تحت أرجل
المعتدلين، لن يبقى أحد منهم بعد ذلك.
لذا، بدلاً من التحرك من طرف
واحد، يجب على شارون أن يعرض الانسحاب من غزة كجزء من مضمون اتفاقية.
وحتى إذا لم يستطع شارون تبني اتفاقية جنيف فبإمكانه مباشرة مفاوضات المرحلة
النهائية مع القيادة الفلسطينية حول كافة القضايا كما تراه خريطة الطريق.
ففوائد اتفاق كهذا واضحة وأكيدة: الاعتراف المتبادل، وحدود متفق عليها
(بما فيها القدس)، وترتيبات أمنية متبادلة، وحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين
وعلاقات طبيعية بين إسرائيل والعالم العربي بأكمله.